تنفلت المواد من إدراك حواس الإنسان تدريجياً. لدينا مثلاً المعدن، قطعة الخشب، قطرة الماء، الهواء، الغاز، السعرات الحرارية، الكهرباء، الأثير الكونى. نسمي كل تلك الأشياء مادة، ونضع كل ما هو مادة تحت تعريف عام؛ مع ذلك، فليس هناك من فكرتان أكثر تناقضاً فيما بينهما من تلك التى نربطها بالمعدن، وتلك التى نربطها بالأثير الكوني.
حين نصل للأخير نميل على نحو لا إرادى تقريبًا لتصنيفه مع النفس أو العدم. لا يقيدنا سوى تصورنا عن تكوينه الذرى، وحتى هنا نطلب العون من تصورنا للذرة كشيء دقيق دقة متناهية وصلب الملمس وله وزن. لو دمرنا فكرة التكوين الذرى لن نعتبر الأثير ككيان بعد الآن، أو على الأقل، كمادة. وللحاجة لكلمة أفضل قد نطلق عليه روحانى. الآن تقدم خطوة لما وراء الأثير الكوني - تصور مادة أندر كثيرًا من الأثير، بقدر ندرة الأثير مقارنة بالمعدن، فنصل فورًا (رغم كل عقائد العلم...) لفوضى لا نظير لها - مادة ليست من جسيمات. إذ رغم إقرارنا بالدقة اللامتناهية للذرات، فإن دقة الفراغات بينها هى التى لا تعقل.